يين دروب السياسة والدبلوماسية، وبين نشأته وحياته، يأتي الفيلم الوثائقي الجديد (سعود) ليحكي مسيرة أربعة عقود من حياة الأمير الراحل ووزير الخارجية الأسبق سعود الفيصل، إضافة إلى تسليط الضوء على حياته الشخصية وثقافته واهتماماته التي لا يعرفها كثير من جمهوره ومتابعيه، وهو من إنتاج مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
وكشف الأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية د. سعود السرحان أن هذا الإنتاج الوثائقي الضخم الذي حرص المركز على إنتاجه، يتألف من أربعة أجزاء توثِّق حياة الأمير سعود الفيصل وشخصيته، أمير الدبلوماسية العربية وعميدها التي إن حاولنا حصرها هنا قد لا تُسعفنا الذاكرة، ولا يكفينا الوقت، مضيفًا أن الفيصل شخصية موسوعية أرست مبدأ السياسة في حضرة الأخلاق، وقادت سفينة الدبلوماسية السعودية على مدار أربعة عقود، كان فيها شاهدًا على أهم الصفحات، وأصعَبِها، وأنصعها، من عمر الأمتين العربية والإسلامية.
وأشار السرحان إلى أن كاميرات الفيلم الوثائقي سجّلت عشرات المحاور الرئيسة والفرعيَّة؛ الإنسانية والسياسية التي جادت بها ذاكرة 38 شخصية عالمية، وإقليمية، ومحلية من 8 بلدان مختلفة هي: المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأميركية، ومملكة البحرين، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، وفلسطين، ولبنان، ودولة الكويت، الذين تنوعت مناصبهم وألقابهم بين أمراء، وأميرات، وشيوخ، ورؤساء دول، ورؤساء حكومات، ووزراء، ورؤساء منظَّمات دبلوماسية إقليمية، وسُفراء، وعسكريين، ومؤرِّخين، فضلًا عن عائلة الأمير، وأصدقائه، ومُعظَم مَن عملوا مع سموِّه. وذلك من أجل أن رسم صورة أبعد من الصورة المعتادة، وأكبرَ من تلك التي تُعرض في الأفلام التي تؤرِّخ للشخصيات السياسية المؤثرة، معتمدةً في ذلك على رسالة بحثيَّة مُوَثَّقة مؤلفة من 90 صفحة.
وأضاف الأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية أن الفيلم يقدم عملًا لا يمثل فقط توثيقًا لحياة عميد الدبلوماسية، بقدر ما يُقدِّم رسالة تستفيد منها الأجيال، والشعوب التي تابعت مسيرة ذلك الرمز، أو تعلَّقت بها، فنحن أمام شهادات ليست عن الأمير سعود فحسب، بل هي شهادات للتاريخ، وتوثيق دقيق لواقع أُمَّتنا الإسلامية والعربية، وليومياتنا في أحلك الظروف وأنْصَعها، مِن خلال رحلة رجل لم يبخل بجهد، ولم يدخر نصحًا في مسيرته للدفاع عن مصالح أُمته، وفي سبيل إبراز الصورة الحقيقية لبلده. وقال السرحان: «إن الأفلام ستأخذ كل مَن يُتابعها إلى آفاقٍ أبعدَ؛ مِن خلال حبكة تنقل العمل مِن مجرد عمل فنِّيّ إلى ملحمة حقيقية تَسرد تاريخ ملايين البشر مِن خلال قصة رجل واحد».
وتدور محاور الفيلم بأجزائه الأربعة حول نشأة الأمير، ومرحلة الصِّبا، والجامعة، وتأثُّره بشخصية الملك فيصل، واهتماماته، وهواياته، ووجهة نظره تجاه الحياة الفِطرية. إضافة إلى الثقافة في حياته، واحترامه المرأة، وموقفه منها. وتتناول الصفات الإنسانية لديه، وبداياته المِهنيَّة، وتقديسه العمل، وحِسّه الاقتصادي.
وتتضمن محاور العمل التلفزيوني المسجل أيضًا إخلاصه لتاريخ المملكة ومُلوكها، وتاريخ عمله وزيرًا للخارجية، ثم وزيرًا للدولة للشؤون الخارجية، وتقدير العالَم لشخصيته، وذلك من خلال شهادات ومواقف شخصية تُروى لأول مرة، جَمعت ضيوف الفيلم بسُموِّ الأمير سعود الفيصل.
ويتطرق الفيلم إلى مواقف وكلمات الأمير الراحل فيما يتصل بالخلاف المصري- السوري سنة 1975م، والخلاف الكبير بين الرئيسين: حافظ الأسد وأنور السادات الذي وقع عقب حرب أكتوبر سنة 1973م. والثورة الإسلامية في إيران، وما تلاها مِن حرب عراقية- إيرانية استمرت ثماني سنوات بدأت سنة 1980م، وتأسيس مجلس التعاون الخليجي سنة 1981م، ومبادرة الملك فهد للسلام، وما تلاها من اجتياح إسرائيلي للبنان سنة 1982م، وإنهاء الحرب اللبنانية- اللبنانية بإعلان الطائف الشهير في المملكة سنة 1989م. وكذلك غزو صدام حسين الكويت سنة 1990م، وجهود المملكة في تشكيل تحالُف دولي لردِّ هذا العدوان، ثم موقف المملكة مِن الحصار الذي فُرض على العراق عَقِب هذا الغزو، والعلاقات السعودية المتوترة مع إيران منذ أحداث الحج حتى عودة العلاقات بعد غزو أفغانستان، وموقف المملكة الثابت من القضية الفلسطينية، وصولًا إلى أحداث 11 سبتمبر الكارثية سنة 2001م، وما تلاها من محاولات تشويه سمعة المملكة، والتعامل مع هذا الموضوع على مستوى العلاقات بين الجانبين الأميركي والسعودي، ثم مبادرة الملك عبدالله للسلام في قمَّة بيروت سنة 2001م، وما أعقَبَها مِن غزو إسرائيلي لقطاع غزة، وموقف المملكة الصريح من الغزو الأميركي للعراق سنة 2003م، واغتيال الحريري سنة 2005م، وأخيرًا الربيع العربي الذي بدأ سنة 2011م، والتعامل السعودي معه.
كما يكشف الفيلم عن «لقب العميد» الذي حمله الأمير سعود الفيصل، وقصته، وأسباب استحقاقه هذا اللقب مِن وجهة نظر تاريخية، وشهادات الضيوف، إضافة إلى تأثير رحيله الهادئ الذي كان بمنزلة الفاجعة.