كرّمت الجائزة أحد روّاد “العمارة الإسلاميّة”، وأبرز النقّاد في “السرد العربي القديم والنظريات الحديثة”، ومطوّري بعض لقاحات كورونا وعلماء نانو
برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله -، وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض نيابة عنه – حفظه الله -، كرّمت جائزة الملك فيصل يوم 20 مارس في الرياض الفائزين بها للعام 2023 في أفرعها الخمس: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، واللغة العربية والأدب، والطبّ، والعلوم.
وتميّزت جائزة خدمة الإسلام هذا العام بتكريمها لأوّل مرة لفائز من الجنسيّة الكوريّة، وهو الأستاذ الدكتور تشوي يونج كيل – حامد، أستاذ الدراسات الإسلامية (سابقًا) في جامعتي ميونجي، وهانكوك للدراسات الأجنبية في جمهورية كوريا الجنوبية، ورئيس صندوق هبة الإسلامي الكوري. وقد منح الجائزة لجهوده الدعوية والتعليمية، المتمثلة في تدريسه اللغة العربية والعلوم الإسلامية في الجامعات الكورية، وإلقاء الدروس والمحاضرات العلمية لتعريف بالإسلام، وتأليفه وترجمته لعدد كبير من الكتب الإسلامية التي أسهمت في نقل الثقافة الإسلامية إلى مجتمعات الشرق الأقصى. إضافة إلى دورة البارز في عدد من المنظمات الإسلامية التي يتمتع بعضويتها وتميزه بشخصية علمية رصينة، وانفتاح فكري، واعتدال، ووسطية. وقد أعرب الأستاذ الدكتور تشوي يونج كيل -حامد في كلمته خلال الحفل عن شعوره بمسؤولية أكبر للتعريف بالثقافة الإسلامية والعربية للمجتمع الكوري.
كما مُنحت جائزة خدمة الإسلام أيضًا إلى فضيلة الشيخ ناصر بن عبدالله الزعابي، رئيس المجلس الدائم لصندوق التضامن الإسلامي بمنظمة التعاون الإسلامي، لجهوده في العمل الخيري والإغاثي من خلال عضويته في عدد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية وتنظيمه المؤتمرات والمنتديات والندوات ذات العلاقة بالعمل الخيري، ولإدارته الحكيمة في رئاسته المجلس الدائم لصندوق التضامن الإسلامي بمنظمة التعاون الإسلامي، حيث شهد الصندوق توسعًا وتنوعًا في نشاطاته، عادت بالنفع على الشعوب الإسلامية مما أعطى صورة مشرقة للعمل الإسلامي المعاصر. وقال في كلمته خلال الحفل، ” ولحظة الانطلاق لخدمة هذا الإسلام حاضرة في كل آن ومكان، خدمة الإسلام في نفسك وفي أسرتك وفي وطنك ومجتمعك وفي محيطك الإنساني الشاسع، تربية وتعليمًا ودعوة، إغاثة وعملاً خيريًا متنوعًا ومتشعبًاً، كتابةً وتوجيهًا وعونًا لمن يحتاج العون، خاصة في أيامنا هذه، حيث زاد الفقر والجهل وكثرت الحروب وعم الغلاء واستشرت الأمراض.”
وفي فرع الدراسات الإسلامية والتي تناول موضوعها هذا العامّ في “العمارة الإسلامية”، فتسلّم الجائزة البروفيسور روبرت هيلينبراند، الأستاذ في جامعة إدنبرة في اسكتلندا، الذي يعتبر مرجعيّة أساسيّة في مجال العمارة الإسلاميّة وإضافة كبيرة للدراسات الإسلامية فقد درس العمارة الإسلاميّة باستخدام منهجيّة متميّزة فاتّسمت أعماله بالشمولية الواسعة جغرافيًا وزمنيًا، حيث غطّت شمال أفريقيا، ومصر، وفلسطين، ووسط آسيا وامتدّت من مراحل الإسلام الأولى حتى القرن التاسع عشر الميلادي. نُشر له 11 كتابًا أهمّها “الصور الإمبراطورية في اللوحات الفارسية”عن الفن والعمارة الإسلامية، و”مقدمة في عمارة القدس في العهد العثماني” وكتاب “العمارة الإسلامية: الشكل والوظيفة والمعنى” و”نادرة مغمورة من الإمبراطورية المغولية ببلاد فارس”، كما صدر له أربع مجلدات تجمع مقالاته: “دراسات في العمارة الإسلامية في العصور الذهبية” بجزأيه الأول والثاني و”دراسات في الفنون الإسلامية للمخطوطات” و”دراسات في الفنون الإسلامية الزخرفية”. وأشار البروفيسور روبرت هيلينبراند إلى وَقع أمجاد العمارة والفنون الإسلامية على طلابه في الغرب قائلًا، “لقد كان من دواعي سرور ي واعتزازي أن أفتح أعين وعقول آلاف الطلاب في الغرب على أمجاد العمارة والفنون الإسلامية، وتعريفهم في سن مبكرة من خلال ذلك بالثقافة الإسلامية باعتبار هذه الطريقة وسيلة ضرورية للخوض في عالم غير معروف سابقا، بل ومجهولا. ولهذه الطريقة تأثير يعادل تأثير الصدمة الكهربائية – فهو فوري وتلقائي مثل التفاعل مع الموسيقى، وجاذبيته تفوق الكلمات.”
أمّا جائزة اللغة العربيّة والأدب والتي تخصّص موضوعها هذا العامّ في “السرد العربي القديم والنظريات الحديثة”، فمنحت للبروفيسور عبد الفتاح كيليطو، الأستاذ في جامعة محمد الخامس في الرباط، المغرب، الذي يعدّ من النقّاد البارزين العرب في العصر الحديث. من أعماله الكاملة التي جاءت في خمسة أجزاء: “جدل اللغات، الماضي حاضرًا، جذور السرد، حمّالو الحكاية، مرايا”. كما ألّف عددًا من الكتب ومنها: كتاب “الأدب والغرابة”، وكتاب “العين والإبرة”. برزت براعة البروفيسور كيليطو في تأويل الأعمال السردية العربية القديمة بدراسات مكثّفة، أحاطت بها في شتى أنواعها كما مثّل المناهج النقديّة الحديثة تمثلًا إيجابيًّا، وعمل على تكييفها بما يناسب رؤيته التي اتصفت بالجدّة والطرافة والإبداع، وبها ارتاد مناطق في السرد العربي القديم لم يلتفت إليها أحد قبله. وخلال الحفل، أثنى البروفيسور كيليطو على اهتمام القائمين على الجائزة بميدان السرد والنقد الأدبيين وأشاد بالبعد الدولي لجائزة الملك فيصل قائلًا، “لا يخفى أن البعد الدولي لهذه الجائزة يضفي عليها قيمة مضافة، ويرفع من المعيار الذي خضعت له الإنتاجات التي حظيت بالجوائز في مختلف الحقول، وكذا من قيمتها العلمية.”
وكان موضوع جائزة الطبّ لهذا العام: “الأوبئة وتطوير اللقاحات”، ومُنحت إلى كل من البروفيسور دان بوروك، الأستاذ في جامعة هارفارد في أمريكا، والبروفيسورة ساره غيلبيرت، الأستاذة في جامعة أكسفورد في بريطانيا لإسهاماتهم الكبيرة في دراسة وتطوير لقاحات ضد مختلف الأوبئة، وخاصّة تلك التي قدّماها ضد فيروس كورونا (كوفيد-19) لإنقاذ ملايين الأرواح في العالم.
وقد استخدم كلّ من البروفيسور دان بوروك والبروفيسورة ساره غيلبيرت تقنيات جديدة في تطوير لقاحات “جونسون آند جونسون” و”أوكسفورد-أسترازينيكا” ضد كورونا. فبدلًا من الطرق التقليديّة التي تستخدم نسخة مضعّفة أو ميّتة من الفيروس الأصلي، والتي تطيل في مدة تطوّر العدوى داخل جسم الإنسان، اعتمدا على تعديل وراثي لنسخة ضعيفة من فيروس مختلف لا يسبّب أذية للإنسان وعند دخوله إلى خلايا الجسم يقوم بإيصال تعليمات وراثية لإنتاج البروتين الموجود على السطح الخارجي المحدّد لفيروس كورونا فيحفّز الاستجابة المناعية ضدّ كورونا.
وفي كلمته بعد تسلّم الجائزة، ذكر البروفيسور دان بوروك أنّ لقاح “جونسون آند جونسون” أظهر فعاليّة قويّة لدى استخدامه في علاج البشر، حتى بعد جرعة واحدة وأضاف، “أبان هذا اللقاح قدرته على توفير حماية مستمرة ضد المتغيرات الفيروسية التي ظهرت…وتلقّى أكثر من 200 مليون شخص هذا اللقاح، لا سيما في دول العالم النامي.”
بدورها، قالت البروفيسورة غيلبيرت في كلمتها خلال مراسم تسلّم الجائزة، “إن هذه الجائزة جاءت تعبيرًا عن التقدير لعملي المشترك في بلورة لقاح ضد فيروس كورونا (كوفيد-19) يتميز بفعاليته وانخفاض تكلفة إنتاجه، مع سهولة اقتنائه، وهو اليوم يستخدم في أكثر من 180 دولة. وبحسب بعض التقديرات فقد أنقذ أكثر من ستة ملايين شخص بحلول بداية عام 2022.”
أمّا في فرع العلوم “الكيمياء”، فمُنحت الجائزة لكل من البروفيسور تشاد ميركن، الأستاذ في جامعة نورث ويسترن في أمريكا، والبروفيسورة جاكي ينغ، المديرة التنفيذية المؤسسة لمعهد الهندسة الحيوية وتكنولوجيا النانو في سنغافورة، مختبر (NanoBio)، لتصبح أوّل امرأة تفوز بجائزة العلوم. ساهمت أبحاثهما في نموّ تكنولوجيا النانو في العصر الحديث وتطوير تصنيع المواد النانوية وتطبيقاتها.
وقد نتج عن تقنية ابتكرها البروفيسور ميركن تسمّى “حمض النواة الكروي” أكثر من 1800 منتج للاستخدام في التشخيص والعلاج الطبي وأبحاث علوم الحياة وهي عبارة عن هياكل نانوية من الأحماض النووية في تكوين كروي تدخل الخلايا والأنسجة البشرية وتتغلب على الحواجز البيولوجية، ممّا يسهّل اكتشاف أو علاج المرض على المستوى الجيني. وقد حثّ البروفيسور ميركن في كلمته خلال حفل تسليم الجائزة على تسخير تقنية النانو لإعادة هيكلة الحمض النووي والحمض النووي الريبي ضمن أشكال تؤهلهما للاستخدام كأدوية أكثر فاعلية في علاج أخطر أنواع السرطانات والأمراض العصبية قائلًا، “من خلال هذا العمل نأمل أن نبدأ حقبة جديدة من الأدوية الجينية القوية والدقيقة حيث يمكننا مهاجمة الأمراض وعلاجها من خلال مساراتها الجينية.”
كما يعتبر البروفيسور ميركن رائدًا في اكتشاف المواد التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي فقد اخترع طريقة الطباعة النانوية بالقلم، تسمّى “dip-pen nanolithography”، تمكّن من الكتابة باستخدام أي سائل كحبر للكتابة وعلى أي سطح وقد وصفتها مجلة ناشيونال جيوغرافيك “National Geographic” بأنها واحدة من “أفضل 100 اكتشاف علمي غيّر العالم”.
أمّا البروفيسورة جاكي ينغ، فقد ركّزت أبحاثها على تصنيع المواد النانوية المتقدمة والأنظمة والتطبيقات، في تحفيز وتحويل الطاقة والطبّ الحيوي واستخدمت اختراعاتها لحلّ مشكلات في مجالات الطب والكيمياء والطاقة. وقد أدّى تطويرها للجسيمات النانوية البوليمرية المستجيبة للمنبهات إلى تقنية يمكنها تنظيم إفراز الأنسولين تلقائيًا، اعتمادًا على مستويات الجلوكوز في الدم لدى مرضى السكري دون الحاجة إلى فحص سكر الدم. وأعربت البروفيسورة جاكي ينغ في كلمتها خلال حفل تسليم الجائزة عن شعورها بالرضا حيال “القدرة على إحداث تأثير مجتمعي من خلال تشخيصات وطب أفضل عبر استدامة الكيمياء والطاقة.”
منذ عام 1979، كرّمت جائزة الملك فيصل 290 فائزًا ساهموا في خدمة الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء، وقدّموا أبحاثًا متميزة، وتوصّلوا لاكتشافات فريدة وابتكارات استثنائية في مجالات العلوم، والطب، واللغة العربية والأدب، والدراسات الإسلامية، وخدمة الإسلام. أما عن مكوّنات الجائزة، فلكل فرع من أفرعها الخمسة مبلغاً قدره 750 ألف ريال سعودي (ما يعادل 200 ألف دولار أمريكي) وميدالية ذهبية عيار 24 قيراطًا ووزنها 200 جرام، بالإضافة إلى براءة مكتوبة بالخط العربي تحمل اسم الفائز وملخصًا لمبررات فوزه.