جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام في دورتها الـ 46، يتسلّمها كلّ من جمعية مسلمي اليابان وأربعة من العلماء في مجالات الدراسات الإسلامية والطب والعلوم

برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله -، وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، كرّمت جائزة الملك فيصل يوم 22 أبريل في الرياض الفائزين بها للعام 2024.

تميّزت جائزة خدمة الإسلام هذا العام بتكريمها لأوّل منظّمة إسلاميّة للمسلمين في اليابان، وهي “جمعية مسلمي اليابان” تقديرًا لجهودها الحثيثة في خدمة الإسلام والمسلمين وفي تعزيز التفاهم والتسامح في المجتمع الياباني. تأسّست الجمعيّة عام 1952 تحت اسم “مجتمع الأصدقاء اليابانيين” وعملت على خدمة ورعاية المسلمين في اليابان، والدفاع عن مصالحهم، كما أولت اهتمامًا خاصًا بتعليم النشء المسلم، وتثقيفهم وتمكينهم من فهم دينهم وثقافتهم.

في عام 1957، بدأت الجمعية برنامج ابتعاث الطلاب إلى البلدان الإسلامية للحصول على التعليم والتحصيل العلمي. وأنشأت في عام 1961 “جمعية الطلاب المسلمين في اليابان”. ولتصحيح الفهم الخاطئ للإسلام، قامت الجمعية بنشر كتب ومطبوعات توضح القيم والمبادئ الإسلامية الحقيقية، كما أصدرت نشرة “صوت الإسلام” عام 1959. وفي عام 1963، أنشأت الجمعية “جمعية الدراسات الإسلامية في اليابان”.  وتعمل الجمعية على تنظيم مناسك الحج والعمرة للمسلمين اليابانيين. وقال رئيس “جمعية مسلمي اليابان” يحيى توشيو إندو في كلمته: ” خلال تاريخ الجمعية تمت العديد من الإنجازات، والحمد لله، وعلى رأسها مشروع أول ترجمة للقرآن الكريم للغة اليابانية من قبل المسلمين، تولى ترجمتها رئيس الجمعية الثاني عمر ميتا، رحمه الله، ونشرت عام 1972، كما تمت ترجمة عدد من كتب التفسير، والحديث والسيرة النبوية الشريفة، وتأليف وترجمة العديد من المواد التعريفية بالإسلام وتوزيعها”.

كما مُنحت جائزة خدمة الإسلام إلى المثقّف البارز الأستاذ محمد السمّاك، الذي ترك بصمةً في ميدان تلاقي الأديان من خلال دوره الحواري منذ نصف قرن بين المرجعيات الدينيّة المختلفة. وقد تمّ اختياره لنيل الجائزة لإسهاماته الفعّالة في مؤتمرات حول العلاقة بين الإسلام والمعتقدات الأخرى، وأدواره القيادية في مؤسسات مختلفة مكرّسة للتسامح والسلام.

درس الأستاذ السمّاك علوم السياسة، والإعلام، والفكر الإسلامي، وحاز على الدكتوراة الفخرية في الإنسانيات من الجامعة اللبنانية الأمريكية. يتبوّأ حاليًّا منصب أمين عام اللجنة الوطنية للحوار المسيحي الإسلامي في لبنان، وأيضًا مركز الأمين العام للأمانة الدائمة للقمة الروحيّة الإسلاميّة في لبنان. وقد كان مستشارًا لرئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري رحمه الله. وللدكتور محمد السمّاك إسهامات أخرى كمفكّر سياسي وكاتب في صحف عربيّة بارزة. وله مؤلفات عدّة حول الإسلام، والسياسة، والحوار الإسلامي المسيحي، منها: “مقدمة إلى الحوار الإسلامي – المسيحي”، و”موقع الإسلام في حوار الحضارات”، و”الإسلام ومسيحيو الشرق”، و”المسلمون والتحديات المعاصرة”. كما نال العديد من الجوائز والأوسمة منها، جائزة مؤسسة”The Fondazione Ducci” للسلام في إيطاليا، ووسام الاستحقاق الجمهوري الإيطالي من رتبة ضابط، ووسام الملك حسين للعطاء المميّز من الدرجة الأولى وغيرها.

وفي كلمته، قال الأستاذ الدكتور محمد السمّاك: ” يقول الإسلام بكرامة الإنسان لذاته الإنسانية. ويقول الإسلام أيضًا بالاختلافات بين الناس… وقد شاءت حكمة الله أن يجعلنا مختلفين، ولكنه دعانا إلى التعارف. والحوار هو الطريق والأداة. ” وأشار أنه عندما دعاه البابا إلى مائدته الشخصية بحضور مجموعة صغيرة من الكرادلة، حرص على أن يقتصر الشراب على الماء وعصير البرتقال، احترامًا لعقيدته الإسلامية.

وفي فرع الدراسات الإسلامية التي تناول موضوعها هذا العامّ “النظم الإسلاميّة وتطبيقاتها المعاصرة”، تسلّم الجائزة الأستاذ الدكتور وائل حلاق، أستاذ مؤسسة أفالون للعلوم الإنسانيّة في جامعة كولومبيا منذ عام 2009 حيث يدرّس الأخلاق، والقانون، والفكر السياسي وذلك لتقديمه مرجعية علمية موازية للكتابات الاستشراقية التقليدية المؤثرة في الجامعات العالمية ونجاحه في بناء دليل لتطور التشريع الإسلامي عبر التاريخ. أدرج الأستاذ الدكتور وائل حلاق عام 2009 ضمن أكثر 500 عالم مؤثر في دراسة الإسلام في العالم. حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة واشنطن عامي 1979 و1983 على التوالي في الفقه والقانون الإسلامي. في عام 1985، اعتلى قاعات جامعة ميجيل في كندا كأستاذ في الشريعة الإسلاميّة. أنتج الأستاذ حلّاق العديد من الأبحاث والكتب الرائدة، وطرح فيها موضوعات مختلفة تعود إلى بدء ظهور الإسلام وتصل حتى تاريخنا الحديث. من أعماله المتميزة: “الدولة المستحيلة” و”إصلاح الحداثة: الأخلاق والإنسان الجديد في فلسفة عبد الرحمن طه”، و”نشأة الفقه الإسلامي وتطوره.”

اكتسبت أطروحته الرائدة في رسالة الدكتوراه “باب الاجتهاد: دراسة في تاريخ القانون الإسلامي” شهرة واسعة متحدية مفهوم “إغلاق باب الاجتهاد”. أسهمت أعماله الفكرية في مجال الدراسات الإسلاميّة في تشكيل التعليم الأكاديمي الغربي حول الشريعة الإسلاميّة، كما تُرجمت كتبه ومقالاته إلى أكثر من 10 لغات، بينها اليابانيّة، والإندونيسيّة، والإيطالية، والروسية، والألمانية، والألبانية، وغيرها.

كللت جهود الأستاذ الدكتور وائل حلاق العلمية بالعديد من الجوائز، من ضمنها فوز كتابه “الدولة المستحيلة” في عام 2015 بجائزة جامعة كولومبيا للكتاب المتميز للعامين السابقين. وفي عام 2020، فاز بجائزة كتاب نوتيلوس Nautilus تقديرًا لكتابه “إصلاح الحداثة”. ثمّ في عام 2021، حصل على جائزة توبا TŰBA من قبل الأكاديمية التركية للعلوم.

أمّا جائزة اللغة العربيّة والأدب التي كان موضوعها هذا العامّ “جهود المؤسسات خارج الوطن العربي في نشر اللغة العربيّة “، فقد قَرَّرت لجنة الاختيار لجائزة الملك فيصل للغة العربية والأدب لهذا العام، حجبها، نظرًا لأن الأعمال المرشحة لم تحقّق معايير الجائزة.

ومنحت جائزة الطبّ لهذا العام، وموضوعها “علاجات الإعاقات الطرفية” للبروفيسور جيري ميندل، مدير مركز العلاج الجيني في مستشفى نايشن وايد للأطفال، لعمله الرائد في الفحص والتشخيص المبكر، وعلاج المرضى الذين يعانون من ضمور العضلات الشوكي (SMA)  والحثل العضلي من نمط دوشين، والضمور العضلي لحزام الأطراف. ويعدّ البروفيسور ميندل أول باحث يوضح سلامة وفعالية الجرعات العالية من علاج نقل الجينات بوساطة الارتباط بالفيروس الغدي ((AAV لمرضى ضمور العضلات الشوكي من النوع الأول. وهو علاج تمت الموافقة عليه عالميًا. وفي كلمته قال” إن المبادئ التي تقوم عليها الجائزة التي تعكس رؤية الملك فيصل ومساعيه لتخفيف المعاناة الإنسانية تتناغم مع رؤيتي الشخصيّة والإنجازات التي حققتها خلال حياتي. لقد بذلت كل ما في وسعي لتحسين حياة المرضى المصابين بأمراض عصبية عضلية وإطالة أعمارهم.”

أمّا في فرع العلوم “علم الحياة”، فمُنحت الجائزة للبروفيسور هاورد يوان-هاو تشانغ، الأستاذ في جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأميركية، لإسهاماته الرائدة في تفسير الدور الذي يلعبه الحمض النووي الريبوزي غير المشفر (RNAs) في تنظيم وعمل الجينات بعد أن كان من المعتقد أن 98% من الحمض النووي البشري عديم الفائدة. وقام البروفيسور تشانغ بتطوير وسائل مبتكرة للتعريف بالمواقع المنظِمة داخل الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA). وكان لهذه الاكتشافات تأثير بالغ الأهمية في تخصص الأحياء الجزيئية وعلم الوراثة، وفي فهم الأمراض البشرية المعقدة. وذكر في كلمته “طرحت أبحاثنا سؤالا أساسيا: كيف تقرر الخلايا متى وأين تقوم بتشغيل الجينات المختلفة؟ وكيف يتم تمرير هذه القرارات مع مرور الوقت؟ قادت الدراسات التي أجريناها إلى فئة جديدة من الحمض النووي الريبوزي (RNA)، تسمى الحمض النووي الريبوزي الطويل غري المشفر، الذي يساعد الخلايا على تذكر مصيرها الخلوي. كما أدى فهمنا للتبديل الجيني إلى معرفة دور الاختلافات الجينية الموروثة في الإصابة بالأمراض، وخاصة الأمراض المناعية. وقد ساعد هذا الفهم أيضا في التعامل مع الطفرات التي تنشأ في حالات السرطان.”

منذ عام 1979، كرّمت جائزة الملك فيصل 295 فائزًا ساهموا في خدمة الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء، وقدّموا أبحاثًا متميزة، وتوصّلوا لاكتشافات فريدة وابتكارات استثنائية في مجالات خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، واللغة العربية والأدب، والطب، والعلوم. أما عن مكوّنات الجائزة، فلكل فرع من أفرعها الخمسة مبلغاً قدره 750 ألف ريال سعودي (ما يعادل 200 ألف دولار أمريكي) وميدالية ذهبية عيار 24 قيراطًا ووزنها 200 جرام، بالإضافة إلى براءة مكتوبة بالخط العربي تحمل اسم الفائز وملخصًا لمبررات فوزه.